الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.حصار شهاب الدين خوارزم شاه وانهزامه أمام الخطا. ولما بلغ شهاب الدين بغزنة ما فعل خوارزم شاه بهراة وموت نائبه بها البوغاني ابن أخته وكان غازيا إلى الهند فانثنى عزمه وسار إلى خوارزم وكان خوارزم شاه قد سار من سرخس وأقام بظاهر مرو فلما بلغه خبر مسيره أجفل راجعا إلى خوارزم فسبق الدين إليها وأجرى الماء في السبخة حواليها وجاء شهاب الدين فأقام أربعين يوما يطرق المسالك حتى أمكنه الوصول ثم التقوا واقتتلوا وقتل بين الفريقين خلق كان منهم الحسن المرغني من الغورية وأسر جماعة من الخوارزمية فقتلهم شهاب الدين صبرا وبعث خوارزم شاه إلى الخطا فيما وراء النهر يستنجدهم على شهاب الدين فجمعوا وساروا إلى بلاد الغور وبلغ ذلك شهاب الدين فسار اليهم فلقيهم بالمفازة فهزموه وحصروه في ايد حوى حتى صالحهم وخلص إلى الطالقان وقد كثر الارجاف بموته فتلقاه الحسن بن حرميل صاحب الطالقان وأزاح علله ثم سار إلى غزنة واحتمل ابن حرميل معه خشية من شدة جزعه أن يلحق بخوارزم شاه ويطيعه فولاه حجابته وسار معه ووجد الخلاف قد وقع بين أمرائه لما بلغهم من الارجاف بموته حسبما مر في أخبار الغورية فأصلح من غزتة ومن الهند وتأهب للرجوع لخوارزم شاه وقد وقع في خبر هزيمته أمام الخطا بالمفازة وجه آخر ذكرناه هنالك وهو أنه فرق عساكره في المفازة لقلة الماء فأوقع بهم الخطا منفردين وجاء في الساقة فقاتلهم أربعة أيام مصابرا وبعث اليه صاحب سمرقند من عسكر الخطا وكان مسلما وأشار عليه بالتهويل عليهم فبعث عسكرا من الليل وجاؤا من الغد متسايلين وخوفهم صاحب سمرقند بوصول المدد لشهاب الدين فرجعوا إلى الصلح وخلص هو من تلك الواقعة وذلك سنة احدى وستمائة ومات شهاب الدين أثر ذلك..استيلاء خوارزم شاه على بلاد الغورية بخراسان. كان نائب الغورية بهراة من خراسان الحسن بن حرميل ولما قتل شهاب الدين الغوري في رمضان سنة اثنتين وستمائة قام بأمرهم غياث الدين محمود ابن أخيه غياث الدين واستولى على الغور من يد علاء الدين محمد بن أبي علي سروركاه ولما بلغ وفاة شهاب الدين إلى الحسن بن حرميل نائب هراة جمع أعيان البلد وقاضيهم واستحلفهم على الامتناع من خوارزم شاه ظاهرا ودس إلى خوارزم شاه بالطاعة ويطلب عسكرا يمتنع به من الغورية وبعث ابنه رهينة في ذلك فأنفذ إليه عسكرا من نيسابور وأمرهم بطاعة ابن حرميل وغياث الدين خلال ذلك يكاتب ابن حرميل ويطلبه في الطاعة فيراوغه بالمواعدة وبلغه خبره مع خوارزم شاه فاعتزم على النهوض إليه واستشار ابن حرميل بهراة أعيان البلد يختبر ما عندهم فقال له علي بن الخالق مدرس مية وناظر الاوقاف الرأي صدق الطاعة لغياث الدين فقال إنما أخشاه فسر إليه وتوثق لي منه ففعل وسار إلى غياث الدين فأطلعه على الجلي من أمر ابن حرميل ووعده الثورة به وكتب غياث الدين إلى نائبه بمرو يستدعيه فتوقف وحمله أهل مرو على المسير فسار فخلع عليه غياث الدين وأقطعه واستدعى غياث الدين أيضا نائبه بالطالقان أميران قطر فوقف فأقطع الطالقان سونج مملوك ابنه المعروف بأمير شكار وبعث إلى ابن حرميل مع ابن زياد بالخلع ووصل معه رسوله يستنجر خطبته له فمطله أياما حتى وصل عسكر خوارزم شاه من نيسابور ووصل في اثرهم خوارزم شاه وانتهى إلى بلخ على أربعة فراسخ فندم اين حرميل عندما عاين مصدوقة الطاعة وعرف عسكر خوارزم شاه بأن صاحبهم قد صالح غياث الدين وترك له البلاد فانصرفوا إلى صاحبهم وبعث إليه معهم بالهدايا ولما سمع غياث الدين بوصول عسكر خوارزم شاه إلى هراة أخذ اقطاع ابن حرميل وقبض على أصحابه واستصفى أمواله وما كان له من الذخيرة في حروبان وتبين ابن حرميل في أهل هراة الميل إلى غياث الدين والانحراف عنه وخشي من ثورتهم به فأظهر طاعة غياث الدين وجمع أهل البلد على مكاتبته بذلك فكتبوا جميعا وأخرج الرسول بالكتاب ودس إليه بأن يلحق عسكر شاه فيردهم إليه فوصل الرسول بهم لرابع يومه ولقيهم ابن حرميل وأدخلهم البلد وسمل ابن زياد الفقيه وأخرج صاعدا القاضي وشيع الغورية فلحقوا بغياث الدين وسلم البلد لعسكر الطالقان وكان منحرفا عن غياث الدين بسبب عزله فدس إلى ابن حرميل بان يكبسه وواعده الهزيمة وحلف له على ذلك فكبسه ابن حرميل فانهزم عسكر غياث الدين وأسر كثير من أمرائه وشن ابن حرميل الغارة على بلاد باذغيس وغيرها من البلاد واعتزم غياث الدين على المسير بنفسه إلى هراة ثم شغل عن ذلك بأمر غزنة ومسير صاحب باميان إلى الدوس فأقصر واستظهر خوارزم شاه إلى بلخ وقد كان عند مقتل شهاب الدين أطلق الغورية الذين كان أسرهم في المصاف على خوارزم وخيرهم في المقام عنده أو اللحاق بقومهم واستصفى من أكابرهم محمد بن بشير وأقطعه فلما قصد الآن بلخ قدم إليه أخوه علي شاه في العساكر وبرز إليه عمر بن الحسن أميرها فدافعه عنها ونزل على أربعة فراسخ وأرسل إلى أخيه خوارزم شاه بذلك فسار إليه في ذي القعدة من السنة ونزل على بلخ وحاصرها وهم ينتظرون المدد من صاحبهم باميان بن بهاء الدين وقد شغلوا بغزنة فحاصروها خوارزم شاه أربعين يوما ولم يظفر فبعث محمد بن بشير الغوري إلى عماد الدين عمر بن الحسن نائبها يستنزله فامتنع فاعتزم خوارزم شاه على المسير إلى هراة ثم بلغه أن أولاد بهاء الدين أمراء باميان ساروا إلى غزانة وأسرهم تاج الدين الزر فاعاد محمد بن بشير إلى عمر بن الحسين فأجاب إلى طاعة خوارزم شاه والخطبة له وخرج إليه فأعاده إلى بلده وذلك في ربيع سنة ثلاث وستمائة ثم سار خوارزم شاه إلى جوزجان وبها علي بن أبي علي فنزل له عنها وسلمها خوارزم شاه إلى ابن حرميل لانها كانت من أقطاعه وبعث إلى غياث الدين عمر بن الحسين من بلخ يستدعيه ثم قبض عليه وبعث به إلى خوارزم شاه وسار إلى بلخ فاستولى عليها واستخلف عليها جغري التركي وعاد إلى بلاده.
|